يبدو أن السوريين ماضون في طريقهم نحو تغيير النظام في بلدهم، ومواصلة الضغوطات على الرئيس بشار الأسد لكي يرحل عن منصبه، في وقت يعيش فيه الشارع السوري حالة من الغليان المتواصل جراء عمليات القتل التي تحدث في سوريا، وفقا لما كشفته صحيفة بريطانية في زيارة سرية لمراسلها إلى سوريا.
نجح مراسل صحيفة صنداي تلغراف البريطانية في القيام بسفريات سرية خلال الأيام الماضية بجميع أنحاء سوريا، ووضع هناك يده على العديد من الحقائق الهامة خلال تلك المرحلة التي تمر بها البلاد، منها أن السيطرة التي كانت تقبع في قبضة الحكومة باتت هشة، رغم الحملة القمعية التي أودت بحياة ما يزيد عن 1400 شخص منذ آذار/ مارس الماضي، وأن الشعب عازم على مواصلة من الضغط من أجل الإطاحة بالأسد.
واستهلت الصحيفة حديثها – كما أوردت في عددها الصادر اليوم – بالإشارة إلى واقعة العثور على جثة المطرب السوري إبراهيم قاشوش ( صاحب أغنية ارحل يا بشار ) طافية في نهر العاصي بمدينته حماة، بعد أن تم قتله – كما تردد – على يد رجال النظام.
ومضت الصحيفة تحاور عدد من المواطنين، لاستبيان آرائهم وخططهم المستقبلية لمواجهة الظرف الراهن في ظل تشبث الأسد بالحكم. ونقلت عن أحدهم قوله :"انظروا إلى محافظات سوريا الأربعة عشر، جميعها تتظاهر. والجيش يطارد تلك التظاهرات في كل مكان، لكن بمجرد أن يخرج ويرحل عن المكان، يتجمع الناس ثانيةً للتظاهر".
وعبر استعانتها بأسماء مستعارة، وحجزها رحلات تضليلية، تسللت الصحيفة بهدوء إلى المدن المحاصرة وتوارت في صفوف المتظاهرين، وانتقلت من مكان إلى آخر، وكانت شاهد عيان على تحرر مدن سورية، وتظاهرات ضخمة مناهضة للنظام، ومشاجرات عنيفة واشتباكات مسلحة غاضبة. وهذا هو الواقع الذي يحدث في سوريا، ولا يريد الرئيس بشار الأسد أن يخرج إلى النور ليعرفه العالم، وهذا هو السبب الذي يبين سعيه وراء اعتقال أو مراقبة أو منع الصحافيين الأجانب من التواجد في البلاد.
ومن جانبها، أكدت الصحيفة أن حماة تحولت بالفعل إلى ساحة عراك حيوية. وقالت إن الندوب لا تزال واضحة من الآثار الوحشية للصدام الذي وقع عام 1982 بين جماعة الإخوان المسلمين ونظام الرئيس السابق، حافظ الأسد. وأضحت أنه وبعد أن نمى إلى علم السكان بوجود صحافي أجنبي في المدينة، بدؤوا يتفاخرون بقرب انهيار النظام.
وقال أحدهم ويدعى عمر، ويعمل جزاراً :" انظر حولك، لم يعد هناك أي تواجد للحكومة في حماة. وقد أتى الجيش إلى هنا، وقتل كثيرين وقام أيضاً ببعض السرقات. ومع هذا، نستمر في الخروج والتظاهر. وبغض النظر عن عدد مرات قدوم الجيش إلى هنا، فإننا لن نستسلم مطلقاً الآن". ثم اقترب شاب صغير السن، ورفع القميص الذي يرتديه ليظهر سكن كبير مدسوس داخل حزام بنطاله، تحسباً لعودة الجيش.
ثم نوهت الصحيفة للطريقة التي يتجمع من خلالها سكان مدينة حماة من أجل التظاهر، وهم يحملون الأعلام السورية. ولفتت كذلك إلى التحذيرات الكثيرة التي تلقتها من احتمالية الاستهداف من جانب القناصة الحكوميين الذين يُعتَقَد أنهم يستلقون على أسطح البنايات. ثم تابعت بنقلها عن أحد سكان المدينة، قوله :" أفراد عائلة الأسد هذه قتلة ومجرمين. اخبروا الجميع أن سكان حماة يقولون إن ذلك النظام انتهى". وهي الرسالة، التي أوضحت الصحيفة، أنها تكررت في جميع أنحاء البلاد.
وواصلت الصحيفة بإشارتها إلى الأحداث التي تشهدها مدينة دير ريسور، القريبة من الحدود العراقية، وقالت إنه لم يعد هناك وجوداً لطواطم النظام، كما تم تدمير صور بشار ووالده حافظ وأزيلت كذلك تماثيل خاصة بهما. وغم الأهمية التي تحظى بها المدينة، إلا أن الحكومة تركت هناك حفنة صغيرة من قوات الأمن للدفاع عن أنفسهم.
وحاورت الصحيفة أحد الشباب الجالسين على إحدى المقاهي هناك، وأكد أن الحكومة بدأت تفقد سيطرتها بالفعل على المدينة، وتابع " حاول الجيش القدوم إلى دير ريسور قبل أسابيع قليلة، لكن سرعان ما اضطر للانسحاب. والحكومة على علم بأن القبائل الشمالية مسلحة، وأنهم يتلقون الدعم من العراق، وأنهم إذا تعرضوا للهجوم، فإنهم سيقاتلون. لكن هذه هي أكبر مدينة في المنطقة، وإن اتضح أنها مناوئة للحكومة، فذلك يعني أن منطقة شرق سوريا بأسرها ستسير على نفس النهج أيضاً".
وأشارت الصحيفة إلى أن قوات الأمن تتصرف بطريقة حازمة وصارمة للغاية لقمع المعارضين في أماكن أخرى، وأن الحياة ستحتاج مدة طويلة كي تعود لطبيعتها هناك. وفيما يخص الوضع في مدينة جسر الشغور، أوردت الصحيفة عن سكان محليين قولهم إن الجيش كان يقتل الجنود الذين كانوا يرفضون إطلاق النار على المتظاهرين غير المسلحين، والذين كانوا يحاولوا بدلاً من ذلك أن ينشقوا. كما أكدت الصحيفة أن الشعبة الرابعة بالجيش هي الجيش الخاص بحكم الواقع لشقيق الرئيس بشار الأصغر، ماهر الأسد، وجنوده هم أفضل جنود سوريا تجهيزاً وأكثرهم ولاءً.
وقالت الصحيفة إنه وبعيداً عن أعمال العنف والقتل وغيرها من الممارسات التي ينتهجها النظام، فإن الأوضاع الاقتصادية في البلاد بدأت تتردى، في ظل تأثر القطاعين السياحي والاستثماري. ورغم إدراك السوريين بأن سقوط النظام لن يتأتى بسهولة، إلا أنهم عازمون ومصممون على مواصلة المشوار لتحقيق غايتهم، خصوصاً وأن النظام لم يعد كلي السلطة أو النفوذ ولم يعد قادر على فعل كل شيء.