تعيش مدينة حمص السورية يومياتها بوتيرة «أسوأ» من ذي قبل، بحسب ناشطين ميدانيين التقت بهم «الشرق الأوسط» في مدينة طرابلس في شمال لبنان، معتبرين المبادرة العربية بمثابة «مهلة للنظام لإبادة سكان حمص وتجويعهم ومعاقبتهم»، مطالبين بـ«إغاثة سريعة لأهالي حمص».
يؤكد الناشطون لـ«الشرق الأوسط» أن «وجود عناصر الأمن ازداد رغم كل ما أشيع من أن القوات الأمنية قد خرجت من الأحياء»، مشيرين في الوقت نفسه إلى «سياسة جديدة يتبعها نظام الأسد، حيث يقومون بإخفاء الدبابات في حفر كي لا يكتشفها خبراء اللجنة العربية المقبلون لمعاينة الوضع السوري، إضافة إلى قيام قوات الأمن بوضع غرف إسمنتية جاهزة توحي بأنها غرف تابعة لوزارات خدماتية، وهي في الأصل غرف تستخدم كحواجز أمنية لاعتقال الناشطين ولإرهاب الناس».
يوضح رامي أن «الأحياء في حمص لا تزال محاصرة ووضعها الإنساني في قمة السوء، حيث يتعرض السكان في أحياء باب السباع وباب عمرو والخالدية وباب الدريب لأبشع عمليات التصفيات والقتل والترهيب والقنص والتعذيب، وذلك لمعاقبتهم على صمودهم في وجه الحصار بكثير من العزيمة والإرادة». رامي الذي ذهب إلى سوريا لتجديد جواز سفره لكونه طالبا في جامعة لبنانية، لساعات حيث زار بعض المناطق في الوعر وباب عمرو وباب السباع والتقى بعائلته بعد شهور من عدم قدرته على رؤيتهم، يشير إلى «مشاهد بشعة ودمار كامل في الأحياء، حيث تحولت حمص إلى مدينة أشباح»، قائلا إنه عاد «والكآبة بادية على وجهه لهول ما رأى من دمار وخوف في عيون الناس المختبئين في بيوتهم خوفا من القتل والقنص من قوات الأمن والشبيحة التابعين للنظام»، مشددا على أن الوضع المعيشي للسكان «تعيس للغاية حيث تحولت البيوت إلى أماكن تأوي أشخاصا نصف أموات بسبب النقص الكبير في الطعام ومواد التغذية والماء وفقدان الغاز والمازوت وغياب التدفئة حيث البرد قارس في معظم أحياء حمص في هذه الفترة من الشتاء».
ويؤكد جاد الحر، كما يسمي نفسه، من حي الوعر في اتصال مع «الشرق الأوسط»، أن «الحي يعيش حالة رعب مقلقة»، مشيرا إلى قيام قوات الأمن بـ«منع دخول الغاز والمازوت إلى سكانه، وهي حال معظم الأحياء في حمص المعاقبة من النظام لتمردها وعدم رضوخها لترهيبه»، موضحا أن «سعر قارورة الغاز ارتفع إلى 800 ليرة سورية للقارورة الواحدة بعد أن كان سعرها 250 ليرة مع بدل خدمة التوصيل»، مؤكدا أن «بلدة تابعة للنظام تدعى المزرعة تحتكر أسعار الغاز وتبيعه كما يحلو لها للأهالي الذين استبدلوا بالغاز الحطب».
من جهته، يؤكد ماجد (اسم مستعار) أن قوات الأمن تمطر حي باب السباع بالرصاص طوال الليل. كما يحاصر الحي بأعداد كبيرة من الدبابات إضافة إلى دبابات أخرى موجودة مسبقا عند الحواجز الثابتة. وأشار ماجد إلى أنه سمع صباح أمس إطلاق نار في حي الوعر وسمع تحليق طيران لم يتم تحديد نوعه، كما استمر القصف على حي باب عمرو، وسمعت أصوات الرصاص من الأحياء المجاورة، واستمر دخول التعزيزات إلى حمص حيث شوهدت أكثر من ثلاثين دبابة تدخل المدينة. وأكد أنه تم استقدام أكثر من عشرين حافلة وعدد من ناقلات الجند شوهدت آتية من دمشق باتجاه حمص. واستمرت قوات الأمن والجيش بحفر حفر كبيرة عند مدخل حمص الغربي باتجاه الجنوب. ويستمر في فترة المساء إطلاق الرصاص في أغلب مناطق حمص، ويحاصر حي كرم الزيتون بعدد من الحافلات التابعة للأمن والشبيحة. وتتمركز أعداد من الآليات اللافتة للنظر على غير العدد المعتاد في محيط حي دير بعلبة ويعتقد أنها ستداهم الحي ليلا حيث فتحت النار على سكانه عشوائيا.
ولفت ناشط آخر إلى أن «الرستن قضت ليلة كاملة على أصوات الانفجارات وإطلاق الرصاص مما جعلها مدينة خالية. وفرض فيها حظر للتجوال من الساعة 5 عصرا، وترافق ذلك مع عمليات تمشيط للحي (الفوقاني) وعمليات اعتقال طالت العديد من الشباب». وأشار إلى أن الرستن «تغفو على أصوات الرصاص لتنتفض بلدة (القريتين) القريبة منها من أجل مساندتها، حيث خرجت صباح أمس مظاهرة طلابية من أحرار وحرائر»، مؤكدا أن «الحصار لا يزال مستمرا على أغلب قرى حمص والتفتيش يتطور على حواجزها لسرقة الناس ومحتوياتهم»، وأوضح أن «الكهرباء والاتصالات مقطوعة عن قرى شمال حمص من دير بعلبة إلى تلبيسة، التي سمع فيها إطلاق نار حيث يعتقد أن حملة مداهمات كثيفة قد تحصل فيها ليلا».
وأكد الناشط أنه «بعد خروج مظاهرات صباح أمس في جامعة القلمون، دخلت قطعان الشبيحة إلى الجامعة واقتحمت الكليات والمباني الدراسية، كما اقتحمت الوحدات السكنية بما فيها سكن الطالبات، وقد تم اعتقال عدد من الطلاب وضربهم وشتمهم بأبشع الشتائم، وإلى الآن الاعتقالات لا تزال مستمرة».
وقد روى أحد الناشطين لـ«الشرق الأوسط» قصة أحد الموقوفين حيث قال «إن الموقوف سأله عنصر الأمن: ما اسمك؟ فأجاب، فقام العنصر بضربه وركله ثم سانده أكثر من خمسة عناصر آخرين حتى فقد الوعي ليجد نفسه في أحد أقبية الأمن العفنة. هناك ضرب من غير أن يسأل عشرة أيام، ثم علق على أحد الأبواب من يده يومين كاملين من بعدها ثم نادى عليه (اخرج أنت لست مطلوبا لفرعنا)».
إلى ذلك، أصدر «مجلس الثورة في حمص» بيانا أكد فيه أن «حمص ذاقت من المآسي ألوانا مختلفة، وعاشت ولا تزال أياما عصيبة يندى لها جبين كل إنسان على وجه هذا العالم. اقتحمت أحياؤها وهدمت محلاتها وبيوتها واعتقل أبناؤها، حتى لم يبق بيت في حمص إلا وفيه جريح أو معتقل أو شهيد. حتى من خرج أهله خارج سوريا وتركوه فلم يسلم أهله من أن تنهب محتوياتهم وتسرق أموالهم». وأضاف البيان: «لقد قدمت حمص ما يقارب الألف وخمسمائة شهيد ومثلهم من المفقودين وثلاثة أضعافهم من المعتقلين في سجون النظام تحت التعذيب مهددين بالموت، واليوم يدفع النظام بالمزيد من التعزيزات الأمنية وتعزيزات الجيش فوق التعزيزات التي خنقت أهل حمص واستنفدت كل ما لديهم من حرية، يدفع بتعزيزات من الجيش الذي دفعنا لتمويله قوت أبنائنا وتخلينا عن حقوق كثيرة مقابل تمويله لحمايتنا من غدر الزمن وتحرير أرضنا المسلوبة في الجولان الحبيب». وأشار المجلس في البيان إلى أنه «في حمص اليوم نخشى على أنفسنا من بطش هذا النظام بعدما خبرنا من تجبره وعدوانيته. وبعد أن رأينا بأم أعيننا ما نقل للعالم جزء منه عبر ما نقلناه من صور وما خفي أعظم، والجالس تحت قصف النظام ورصاصه وعذابه ليس كمن يشاهد. اليوم يعاقب النظام الناس بمختلف أنواع العقوبات المباشرة وغير المباشرة، حيث فقدان مواد المازوت والغاز وانقطاع أغلب اليوم للكهرباء في المناطق الثائرة، وحتى مياه الشرب لم تسلم من بطش النظام، حيث تقطع وقت الحصار». ووجه المجلس «نداء استغاثة إلى العالم بأسره بكل ألوانه، طامعين بقلوبهم الطيبة وضمائرهم السليمة، وبرابط الأخوة الذي يجمع كل إنسان بأخ له في جزء من هذا العالم، وكلنا أمل بأن تلبوا النداء».