تحولت جنازة الطفل إبراهيم شيبان الذي سقط برصاص الأمن السوري في جمعة «أحرار الجيش» إلى مظاهرة حاشدة، وأكد ناشطون لـ«لشرق الأوسط» أن أعداد المشاركين فيها كانت بالآلاف. وهتف المشاركون في الجنازة التي خرجت من جامع الدقاق في حي الميدان، جنوب العاصمة دمشق، هتافات تدعو إلى إسقاط النظام السوري ومحاكمة الرئيس بشار الأسد، مما دفع أجهزة الأمن والشبيحة إلى «فتح النار على المشيعين وقتل اثنين منهم، إضافة إلى عشرات الجرحى»، كما أكد الناشطون. وقال أحد المشاركين في الجنازة في شهادته حول ما جرى في الحي الدمشقي ظهر أمس: «عندما دخلنا إلى المسجد لم يكن في المسجد أي مكان تضع فيه قدميك، وكان المسجد ممتلئا بشكل غريب جدا، والحارات التي عند المسجد والشارع العام ممتلئة بالمشيعين الذين اضطروا للبقاء خارج المسجد طيلة وقت الصلاة، والنساء كن في إحدى الحارات بالمئات ينتظرن أكثر من نصف ساعة حتى بدأ التشييع، واللافت للانتباه أنه كان يوجد من أخواتنا المحجبات وغير المحجبات الكثيرات».
وأضاف: «بدأ التكبير من خارج المسجد وكان الصوت مزلزلا عند انتهاء الصلاة، ثم بدأ التكبير داخل المسجد وداخل الساحة الخارجية للمسجد، وقمنا بمد علم للاستقلال طويل جدا، ومشينا في شارع أبو حبل، وإذا بالمئات من المتظاهرين يخرجون من كل حارة ومن كل شارع، المحلات كلها مغلقة، الصوت يزلزل الأرض بكل الهتافات، الأعداد كانت تفوق الخمسين ألف بكل تأكيد فلم نكن نرى بداية التشييع ولا آخره».
ويؤكد الشاب الثلاثيني أن المعركة الحقيقية بين المتظاهرين والأمن جرت حيت كادت جموع المشيعين تصل إلى ساحة الأشمر. ويقول: «الأعداد بعشرات الآلاف، وكان الأمن موجودا بكثافة وبلباس مدني عند حديقة الأندلس، فقمنا بضرب الحجارة على الأمن الذي بادر بإطلاق الرصاص على المشيعين من أجل تفريقنا، ولكننا كثفنا الحجارة عليهم وقاموا بتكثيف النار، فسقط شهيدان إضافة إلى عدد غير معروف من الجرحى، وبدأنا بالهروب بين الحارات وقاموا بملاحقة البعض واعتقلوا الكثير عند حديقة الأندلس وعند الحارات الخلفية للتربة».
وقد انتشر على موقع «فيس بوك» فيديو يظهر الطفل إبراهيم شيبان لحظة فارق الحياة، بعد أن قامت أجهزة الأمن السورية بقتله خلال جمعة «أحرار الجيش» في مظاهرة خرجت من جامع زين العابدين في حي الميدان. ويلفت مراقبون إلى أن أهمية حي الميدان وإصرار أهله على التظاهر ضد نظام الأسد، تأتي بسبب وجود جامع الحسن في وسطه. فالجامع الذي يتسع لأكثر من ثلاثة آلاف مصلي، يمتلك تاريخا طويلا في معارضة حكم عائلة الأسد. فمنذ الشيخ حسن حبنكة، الذي بنى الجامع وسُمّي على اسمه، ومعظم المشايخ الذين يتوالون على المسجد لا يظهرون ولاء صريحا للنظام الحاكم.
ويسرد عبد الرحمن حبنكة، ابن الشيخ حسن، في كتاب أصدره بعد نفيه خارج البلاد، أن والده تصادم كثيرا مع الرئيس الراحل حافظ الأسد ولم يتمكن الأسد من إيذائه بسبب الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها داخل المجتمع الدمشقي المتدين، ليتوالى على الخطابة في المسجد فيما بعد الشيخ كامل الحافي والشيخ حسين خطاب، الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، والشيخ محمد شقير، والشيخ الدكتور مصطفى البغا، والشيخ عمر حوري، و«جميعهم ساروا على نهج الشيخ حبنكة في انتهاج الوسطية الدينية ورفض ممالأة نظام الحكم».
ولعل الشيخ محمد كريّم راجح، الذي يتولى الخطابة في مسجد الحسن هذه الفترة، أبرز من جسد وفقا للمراقبين هذا النهج. حيث قدم استقالته لوزارة الأوقاف احتجاجا على ممارسات رجال الأمن بحق المتظاهرين، ليعود فيما بعد ويتراجع عنها تحت ضغط أهالي الميدان وحبهم له، لكن راجح، ومنذ شهر تقريبا، عاد ووجه تنبيها إلى الرئيس الأسد بأن «إجبار المعتقلين على السجود لصوره والتفوه بكلمات كفر، هو لعب بالنار». وقصف الفرنسيون حي الميدان مرتين في فترة الانتداب، وقد دُمرت الكثير من معالمه، بسبب مقاومة أهله للاحتلال ومطالبتهم إياه بالخروج من أرضهم. وقد حارب أهله إلى جانب أشقائهم في حي الشاغور بقية أحياء دمشق والمدن السورية الاحتلال الفرنسي بضراوة ودافعوا عن بلادهم ببسالة وشجاعة كما يذكر المؤرخون. ولعل من العناصر التي تجعل الحي عصيا على أجهزة الأمن فيما يخص إيقاف المظاهرات فيه، هو الترابط الأسري والاجتماعي الذي يمتاز به أهالي الحي، مما يجعل التجمع والخروج في مظاهرات أسهل بكثير من بقية المناطق.
ويُقسم حي الميدان في عرف أهله إلى ثلاثة أقسام، الميدان التحتاني مما يلي محل باب المصلى، ثم الميدان الوسطاني، وبعده الميدان الفوقاني عند بوابة الله. ويشقها طريق الحج المعروف باسم «الدرب السلطاني». كما يعتبر المركز الرئيسي لمطابخ الحلويات والمأكولات في سوريا منذ عشرات السنين في دمشق، التي طور سكانها هذه الصناعة ووسعوها لتصل شهرة حلوياتها إلى كل أنحاء العالم، وتصبح المدينة العريقة مركزا عالميا لهذه الصناعة. يذكر أنه تم إنشاء صفحة على «فيس بوك» بعنوان «تنسيقية الثورة السورية في حي الميدان وما حوله» منذ بداية اندلاع المظاهرات في البلاد، وذلك لتنظيم الاحتجاجات التي تخرج من مساجد الحي وتهتف ضد نظام بشار الأسد وتطالبه بالرحيل.