«هناك كسر ملحوظ في حاجز الخوف لدى سكان دمشق بشكل عام، ولكنه لم يرق بعد، للأسف، إلى المستوى الذي يدفع بالدمشقيين إلى الانتفاض في وجه القمع الأمني، الحياة في دمشق طبيعية ولا توجد إضرابات بسبب التحذيرات المرعبة التي يتلقاها أصحاب المحلات من عناصر الأمن والشبيحة».
ربما تلخص تلك الكلمات، التي جاءت على لسان شاهد عيان تحدث لـ«الشرق الأوسط» من دمشق، ما يحدث في مدينته هذه الأيام مع اتساع نطاق الاحتجاجات التي اندلعت في كامل الأراضي السورية منذ ما يقارب الخمسة أشهر.
وأكد شاهد العيان، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن دمشق تقبع تحت القبضة الحديدية للأمن الذي ينتشر ويتوغل بشكل عميق في الأحياء وبين الناس، وهو ما يفسر إفشال الأمن للكثير من المظاهرات حتى قبل أن تبدأ.
ورغم تلك القبضة الأمنية والتعتيم الإعلامي الكبير لما يحدث داخل أحياء دمشق القديمة فإن «الشرق الأوسط» تواصلت مع مواطنين سوريين قالوا إن الثورة ستصل حتما للعاصمة، حيث أوضحوا أنه رغم تلك القبضة الأمنية فإن حاجز الخوف في دمشق ينكسر حجرا حجرا.
يقول أحد الدمشقيين ويعمل طبيبا: «منذ زمن بعيد، لم يكن أحد يجرؤ على التفوه حتى بكلمة بشار أو حافظ دون أن يسبقها بكلمة السيد الرئيس، أما الآن فالجميع يتحدث عن خراب في البلد وأزمة عظمى، وكل من يكذب الرواية الرسمية حول الأحداث في سوريا علنا يصبح عرضة للاعتقال ويصبح محرضا وعنصرا من عناصر تلك العصابات المزعومة».
ويضيف: «لا أحد في سوريا يصدق رواية العصابات المسلحة.. حتى المؤيدون أنفسهم لا يصدقونها.. إنها جد مفتعلة».
ويعتقد الطبيب أن الوجود الأمني المكثف لا يزال يخيف الكثير من أهل دمشق ويقف حائلا دون مشاركتهم في المظاهرات، خاصة مع حجم العنف الذي يراه الأهالي على القنوات الإخبارية العربية.
وبعد ما يقارب الخمسة أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا، يمكن تقسيم دمشق إلى نطاقين، نطاق اشتعل بالمظاهرات وسقط فيه شهداء وهي بالتالي المناطق الأكثر اشتعالا، كركن الدين وبرزة والقابون والميدان والحجر الأسود وسقبا ودوما وحرستا في ريف دمشق والزبداني والمعضمية. وأماكن أخرى هادئة لكونها معقلا للعلويين أو لأنها أحياء راقية يقطنها طبقات تناصر النظام وتتشابك معه في مصالحها الاقتصادية، مثل المالكي وأبو رمانة والمزة ومشروع دمر والمزرعة والميسات وباب توما والقصاع، وهي المناطق التي لم يرق فيها الدم بعد.
وأشار مواطنون آخرون إلى أن منطقة المزة (86 كم من دمشق) التي تعد من أكبر مناطق تجمع مساكن عناصر الأمن في دمشق دائما على أهبة الاستعداد للتجمع وتفريق المظاهرات المعارضة بالقوة والقيام بمسيرات مؤيدة في نفس الوقت، وهي تعيش تحت حماية خاصة حتى قبل الأحداث في سوريا وبطبيعة الحال زادت الحماية الآن أضعافا.
ووفقا لشاهد عيان تحدث لـ«الشرق الأوسط» عبر «سكاي بي» من دمشق، مشيرا إلى أن أغلب أبناء الطائفية العلوية تم تسليحهم عند بداية الأحداث، حيث تم توزيع سلاح على الشباب منهم فوق سن الثانية والعشرين بحجة أن الثورة طائفية وتهدف لتصفية العلويين وبالتالي ينبغي عليهم حماية أنفسهم ومساندة النظام الذي يتولى حمايتهم، مضيفا: «الحق يقال بأنهم حتى اللحظة ما زالوا يعتمدون على الأمن والشبيحة في القمع ويقتصر دور هؤلاء الشباب على ضرب المتظاهرين والمساعدة في اعتقالهم وتفريق المظاهرات المعارضة والقيام بمسيرات مؤيدة، ولكن سلاحهم لم يستخدم بعد».
وتتحول دمشق ليلا إلى ثكنة عسكرية، فرغم عدم وجود حظر للتجوال فإن عناصر الأمن تعمد للتحقق من هويات ومقصد المارة وسائقي السيارات بعد الثانية صباحا، حيث قد يوقف عناصر الأمن المارة ويطلبون إبراز الهويات ويسألون عن الاتجاه، والعمل، وبعض الأسئلة الأخرى التي قد يؤدي التوتر أثناء الإجابة عنها لاعتقال صاحبها، وتحظى مداخل دمشق بتعزيزات أمنية خاصة، فأغلب المداخل يوجد عليها حواجز أمنية من كل الجهات وبعض الحواجز مدعمة بالمدرعات مثل حاجز الزبداني وبلودان، ويبقى الدخول إلى دمشق من مناطق الريف المشتعلة أصعب بكثير من الدخول من المناطق غير المشتعلة مثل اللاذقية مثلا، لكن الأمور ليلا في الأماكن العامة بوسط المدينة طبيعية جدا وفقا لأغلب الشهود.
أما أبرز ما يتناقله الدمشقيون حاليا هو التحذير من تصوير الأمن للمظاهرات، حيث يعتمد الأمن على التصوير بشكل كبير لاعتقال كل من يشارك فيها، ووفقا لمهندس دمشقي سبق اعتقاله فإن الوقوع في يد الأمن أهون بكثير من الوقوع بين أيدي الشبيحة، حيث يقول لـ«الشرق الأوسط»: «الوقوع بأيدي الشبيحة كالوقوع من دور عال ببناية شاهقة، ففي كليهما فرص النجاة تكون معدومة».
ومع دخول شهر رمضان الذي يتميز بطابع جد خاص في دمشق، فإن التلفزيون الرسمي التفت مؤخرا إلى مسلسلات رمضان كي يقوم بإلهاء المشاهدين عن متابعة ما تبثه قناة «الجزيرة» أو قناة «العربية» وغيرهما. وبحسب أحد الدمشقيين، فالتلفزيون السوري ما زال متمسكا برواية العصابات المسلحة والمؤامرات، لكنه فقد المصداقية في أعين أغلب السوريين.
ويبدو أن الحالة الاقتصادية في دمشق أصبحت تثير حفيظة وحنق الكثير من سكانها، فرغم أن السلع الناقصة ليست كثيرة، فإن هناك استياء من الناس بسبب الاقتطاع من الرواتب، حيث يتم اقتطاع 500 ليرة كحد أدنى من راتب كل موظف شهريا بحجة دعم الليرة السورية رغم أن الرواتب ضعيفة في الأساس، ووفقا لأحد الشهود فإن الأزمة في الغلاء الفاحش، فالأسعار تضاعفت ضعفين، خاصة مع دخول شهر رمضان. ويرى المراقبون أن الأمور ستتطور في دمشق بسرعة أكبر في الفترة المقبلة حيث إن مناطق عدة كانت بعيدة عن أي حراك وحاليا بدأت بالتحرك.
ويقول ناشط سياسي يعيش في دمشق، رفض ذكر اسمه خشية اعتقاله، إن «قدسية دمشق من جهة أن النظام لا يريد أعمال القتل فيها قد انتهكت من قرابة شهرين»، وتوقع الناشط أن يزداد تشديد الخناق الأمني بشكل أكبر على دمشق ولكن دون اللجوء إلى إقحام آليات مدرعة ودبابات في العاصمة، مع بقاء الجيش على الأطراف وفي الريف فقط، مشيرا إلى أن دخول دمشق بقوة على خطى المظاهرات الحاشدة واستمرارها سيعجل بسقوط النظام