يبدو أن الاتهامات التي أطلقها أخيرًا خبراء التكنولوجيا تجاه الشركات الغربية التي تبيع عن قصد أو غير قصد، منتجاتها التكنولوجيا لأنظمة استبدادية، في محلّه. إذ تبيّن أن نظام بشار الأسد يستعمل المعدات والبرمجيات التي طوّرتها شركة أميركية لفرض رقابة على شبكة الانترنت ومراقبة المعارضين والمواطنين.
النظام السوري يستعمل تكنولوجيا أميركية لمنع مواطنيه ومعارضيه من الولوج إلى شبكة الانترنت
دمشق: تستخدم سوريا المعدات والبرمجيات التي طوّرتها شركة أميركية لفرض رقابة على شبكة الانترنت ومراقبة سلوك مواطنيها، وفقا لتحليل البيانات من قبل خبراء التكنولوجيا والمدافعين عن المعارضين السوريين.
ويزعم أن هذه المعدات، التي طوّرتها شركة "بلو كوت سيستمز"Blue Coat Systems، ومقرها كاليفورنيا، يجري استخدامها من قبل الحكومة السورية الاستبدادية لمنع السوريين من الوصول إلى شبكة الإنترنت وشنّ حملات معارضة ضد الرئيس السوري بشار الأسد، في محاولة لقمعهم بعد مضي نحو ثمانية اشهر من الاحتجاجات.
في هذا السياق، نقلت صحيفة الـ "واشنطن بوست" عن مسؤولين أميركيين قولهم إنهم يراجعون التقارير التي تفيد بأن الحكومة السورية تستخدم منتجات الشركة. واشار مسؤول في وزارة الخارجية إلى أن "الوزارة تأخذ هذه المسألة على محمل الجد، وهي قلقة جداً من صحة احتمال أن تستعين سوريا بتقنية بلو كوت لقمع الثورة".
وأشار مسؤول بارز في الادارة الأميركية إلى أن العقوبات تمنع الشركات الأميركية من التجارة مع سوريا، باستثناء بعض البرمجيات، وأضاف: "إن تصدير أي منتج لا تشمله الاستثناءات يشكل انتهاكاً للعقوبات".
من جهتها، قالت شركة بلو كوت، ومقرها في سانيفيل، إنها لم تبع المعدات أو البرمجيات إلى الحكومة السورية، لكن المتحدث لم ينكر أن سوريا يمكنها الحصول على المنتجات من خلال طرف ثالث.
وقال ستيف شيك، المتحدث باسم بلو كوت: "الشركة لا تبيع اياً من منتجاتها لسوريا، ونحن نمتثل لقوانين التصدير في الولايات المتحدة، ولا نسمح لشركائنا بالبيع لأي من الدول التي تشملها العقوبات".
يشار إلى أن مبيعات الشركات الاميركية لسوريا محظورة بموجب العقوبات التي فرضها الرئيس السابق جورج بوش في عام 2004.
وقال اريك كينغ من "برايفاسي انترناشونال"، وهي مجموعة غير ربحية مقرها لندن تهدف إلى تحدي الرقابة الحكومية: "إن برمجيات بلو كوت تمكّن الحكومة من رصد نشاط الإنترنت لأعداد كبيرة من الناس، وفي حال وقعت هذه التقنية في أيد غير أمينة، يمكن أن تستخدم وبكل سهولة كأداة للسيطرة السياسية".
ونظرًا إلى الطبيعة الرمادية لسوق معدات المراقبة والرصد، يرجّح أن تكون سوريا قد اكتسبت معدات بلو كوت بشكل غير مباشر، وفقاً لبراتاب شاترجي من مكتب لندن للصحافة الاستقصائية، التي تحقق في هذه المزاعم.
في هذا الإطار، قال تشاترجي: "هناك الكثير من الشركات المصنعة التي لا تعرف، أو لا تريد أن تعرف، من يقوم بشراء التكنولوجيا لأنها يمكن أن تخضع لغرامات أو الملاحقة في بلدانهم".
برزت التقارير الأولى عن استخدام سوريا المزعوم لمنتجات بلو كوت مع "تيليكومكس"، وهي شبكة من عباقرة الانترنت، التي ظهرت للمرة الأولى في السويد بهدف جعل الانترنت مجانيًا، وغير خاضع لأي نوع من أنواع الرقابة.
نشرت "تيليكومس" السجلات الإلكترونية لمؤسسة الاتصالات السورية، والتي تشير إلى أن الحكومة كانت تستخدم معدات "بلو كوت" لمنع مواطنيها من تصفح مواقع الانترنت وبعض وسائل الإعلام الاجتماعية.
وقال بيتر فين، مبرمج كمبيوتر في "تيليموكس": "يتم تصنيع هذه الأجهزة بشكل واضح من قبل بلو كوت، وهذه التقنية تستخدم بشكل واضح في سوريا، وتديرها شركة الاتصالات السلكية واللاسلكية للدولة".
وأضاف فين: "تستخدم هذه التقنية لمنع السوريين من مختلف المشارب السياسية، وحتى أولئك الذين لا يشاركون في السياسة، من الوصول إلى المواقع التي نعتبرها في الغرب مضمونة ومتوافرة، مثل فايسبوك وتويتر، كما إنها تستخدم لمراقبة اتصالات المعارضين المسالمين".
وقال عمر العظم، وهو من النشطاء السوريين، الذين فرّوا إلى الولايات المتحدة في عام 2006، ولعب دورًا ناشطًا في تنظيم ثورة هذا العام في سوريا: "من الضروري أن تجد الولايات المتحدة السبل لمنع الأنظمة مثل نظام الأسد من الحصول على هذه التكنولوجيا"، وأضاف أن الاحتجاجات السورية ذات طبيعة سلمية، ويجب أن يكون سلاحها الوحيد هو القدرة على نشر المعلومات.
في الأشهر الأخيرة، زعم خبراء التكنولوجيا أن الشركات الغربية تبيع، عن قصد أو غير قصد، منتجاتها التكنولوجيا لأنظمة استبدادية. وقال كينغ: "تبيع مئات الشركات الغربية هذه الأنواع من تكنولوجيات المراقبة لبعض من أكثر الأنظمة الاستبدادية في العالم، وتغضّ الطرف عن الطرق التي تستخدم فيها هذه التقنيات لرصد وقمع الشعوب"، وأضاف: "هناك حاجة ماسة لتنظيم هذه التجارة وجعلها أكثر صرامة".