عشرة أشهر مضت على بدء القلاقل في سوريا ولا تزال المعارضة السورية تعيش حالة من التباين في مواقفها، بين داع متحمس للتدخل العسكري الأجنبي وبين داع لحصار ولعقوبات عربية ودولية، وبين معارضة مستعدة للدخول في حكومة وحدة وطنية تحت ادارة الرئيس بشار الأسد، وهو ما كشف عنه الأسد نفسه في خطابه هذا الأسبوع عندما قال"إننا نفرق بين معارضة وطنية ومعارضة تريد مشاركة سرية في الحكم وبين معارضة تبيع وطنها".
وكان من بين ابرز المعارضين للتدخل العسكري الخارجي قبل سنوات عبد الحليم خدام النائب السابق للرئيس السوري، الذي قال لنا في مقابلتنا الطويلة معه في 2006 إنه يعارض كلياً أي تدخل اجنبي في الشأن الداخلي في حين أنه اليوم اصبح من أشد الدعاة لهذا التدخل، ومن هنا بدأ اللقاء.
"الصنارة": في لقاء سابق، 2006، قلت لنا "نحن ضد أي تدخل خارجي"، اما اليوم فإنك تقود حملة ليس من اجل تدخل خارجي فقط بل وتدخل عسكري ايضاً؟
خدام: هناك فارق بين الحالتين، في الأولى التدخل الخارجي الذي يقع فعلاً هو من قبل ايران. فهي التي تتدخل وهي التي تعمل على دعم هذا النظام وتسنده بالاضافة الى تحالفها مع روسيا. اذ ان هناك تحالفاً روسياً ايرانياً للسيطرة على المنطقة ومواردها وممراتها وطرق المواصلات الدولية التي تمر فيها بهدف ايضاً السيطرة على الاقتصاد العالمي والتحكم به. وأمن واستقرار المنطقة والأمن والاستقرار الدولي، هذا هو التدخل الخارجي الحاصل.
اما عندما يكون الشعب السوري، يُذبح من قبل الجيش الذي أسسه لحمايته ولحماية الوطن والذي تحوّل الى جيش لاحتلال الوطن والى جيش يقتل الناس ويقصف ويقتل ويدمر وينتهك الكرامات ويُذل الناس، عندئذ، لا يعود الأمر يتعلق بموقف وطني او غير وطني. لأن هذا النظام لم يعد نظاماً وطنياً. وبالتالي فأن من واجب كل سوري أن يدعو كل القوى الدولية للعمل من أجل انقاذ سوريا وانقاذ الشعب السوري والخلاص من هذا النظام.
"الصنارة": رأينا أمثلة لهذا الخلاص عبر التدخل الأجنبي في العراق وليبيا فهل هذا هو الموديل الذي تطرحونه؟
خدام: الى أين جر ليبيا؟! فلو بقي معمر القذافي دون التدخل الخارجي ماذا كان سيفعل بالشعب الليبي؟! لو افترضنا أنه لم يحصل تدخل في ليبيا، لكان القذافي ذبح عشرات الالوف، فأيهما أهم، إنقاذ الشعب من القتل والدمار أم إنقاذ مئات وآلاف البنايات التي تهدمت؟! البنايات ممكن أن تُعمَّر أما النفوس فلا تُعوّض.
"الصنارة": ولكن حتى تضمن التدخل الأجنبي على المعارضة السورية أن تتوحد أولاً أليس كذلك؟
خدام: لنميز أولاً بين المعارضة السورية في الخارج وبين الثورة في الداخل. فقوى الداخل موحدة وهي تخرج بمظاهرات تطالب بالحماية الدولية.. وتطالب بالتدخل العسكري الدولي.
في المعارضة هناك تياران، احدهما يرى أن الحل الذي يوفر دماء السوريين هو الدعوة الى تدخل عسكري على غرار ما جرى في ليبيا. وهناك تيار آخر يرفض ذلك ويعتبر أن هذا الأمر يتعارض مع السيادة وكان ردنا: هل هناك سيادة الآن لسوريا؟! عندما يتحول الجيش الذي يجب أن يحمي السيادة الى جيش للقتل والتدمير؟! وبالتالي فحتى هذا التيار الذي كان يرفض التدخل العسكري بدأ يتحدث اليوم عن تدخل بشكل آخر. بدعوة الأمم المتحدة لتساعدنا بارسال مراقبين او باتخاذ قرارات ضاغطة. لكن هذا الكلام لا يحل المشكلة.
"الصنارة": اذن ما هو الحل برأيك؟
خدام: لا حل الا بضرب القوة التي تقوم بتدمير سوريا وتدمير الشعب السوري.
"الصنارة": اي لا أمل الا بضرب الجيش السوري؟
خدام: هذا الجيش حالياً ليس جيشاً وطنياً. عندما يقتل المواطنين والشعب فإنه ليس جيشاً وطنياً.
"الصنارة": أمس الأول خرج عشرات ومئات آلاف السوريين في الشوارع يهتفون للرئيس الاسد وهو بينهم.
خدام: هذه شَغْلة بسيطة، الباصات جاهزة لتنقل الآلاف الى الساحات العامة من أماكن عملهم ومؤسساتهم. فكلنا نعرف كيف كانت تُنظِّم وتسير هذه المسيرات في النظام القائم في سوريا وغيره من الأنظمة الشمولية في المنطقة.
"الصنارة: شَرَحْتَها لي مرة، واود لو تعود على ذلك كونَك كنت على رأس هذا النظام، وتعرف كيف كان يتم ذلك؟
خدام: نعم أعرف كيف يتم استدراجهم، وصدقني أنني لم أخرج في مثل هذه المسيرات. وبالتالي لم أكن قادراً على منعها فقد كانت ظروف داخلية آنذاك تتحكم بكل السوريين.
"الصنارة": هناك اليوم حصار تركي وحصار عربي وحصار اوروبي ودولي ومع ذلك فأن النظام لا يزال قادراً على الصمود في وجه كل هذه الضغوط؟
خدام: حتى الآن فأن الحصارات القائمة ليست كاملة، هناك عقوبات من الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الاميركية وكندا لها بعض التأثيرات لكنها غير كافية لاسقاط النظم أو لإرباكه ارباكاً كلياً، مع ذلك فأن نظام بشار الاسد نظام مُربَك. هو يحرم المواطنين من الوقود في هذا الشتاء القارس، ومن حاجات ا ساسية. والحصار الحقيقي هو الحصار الذي يواجه القوة بالقوة.
"الصنارة": اذا كان ايهود براك أبقى لهذا النظام عدة اسابيع فهل توافقه على ذلك؟
خدام: والله شو بيِتصور براك أو غيره هذا شأنه. أما أنا فواثق ان هذا النظام سيسقط إن عاجلاً أم آجلاً.
"الصنارة": هل لديكم كمعارضة جدول زمني وأجندة واضحة لأسقاط النظام؟
خدام: الجدول الزمني ليس بمقدور المعارضة وحدها أن تحدده، ومجمل القوى التي يمكن أن تساعد على إسقاط النظام هي التي بامكانها أن تحدد الجدول الزمني الدقيق.
"الصنارة": ما هو اعتراضكم على ا لمراقبين الدوليين؟
خدام: نحن لم نطلب مراقبين دوليين ولا مراقبين عرباً. ولا نعتقد ان صيغة المراقبين تنفع. والدليل هو زيادة القتل والقمع والدمار.
"الصنارة": تطالبون فقط بالتدخل العسكري؟
خدام: التدخل العسكري، نعم.
"الصنارة": أي تدخل آخر، كمثل رحيل أو ترحيل رأس النظام كحالة اليمن، مثلاً هل هي مقبولة من طرفكم؟
خدام: المشكلة ليست برأس النظام فقط. المشكلة بالنظام برمته. فبشار الأسد يحكم البلد بالنظام. واستمراره يعني استمرار النظام الشمولي والقمع ومصادرة الحريات ونهب ثروات البلاد. المطلوب تغيير النظام وليس اسقاط الدولة.
"الصنارة": ولكن المعارضة تجتمع في تركيا، تؤسس مجلساً عاماً وحتى هذا المجلس غير متفق مع برنامج محدد. فكيف تُسقطون النظام؟
خدام: على اعتبار أن هذا المجلس لم يتأسس على أساس وحدة المبادىء بين المعارضة. بل بين أشخاص ليس بينهم اتفاق حتى على العمل ووسائل العمل. لذلك تجد رئيس المجلس (البروفيسور برهان غليون) يوقع على اتفاق مع ناشط آخر له صلة بالنظام وهو هيثم مناع على رفض التدخل العسكري الأجنبي. بينما الاكثرية في المجلس رفضت هذا الاتفاق واسقطته.
"الصنارة": برأيك توقيع برهان غليون وهيثم مناع كان بدافع من النظام؟
خدام: طبعاً، طبعاً، لا شك أن النظام يسعى الى مثل هذا الاتفاق، فهو أولاً يشق المعارضة او يزيد من انشقاقاتها ويضربها ببعضها. وبذلك يضعفها.
"الصنارة": لكن المعارضة اصلاً غير متفقة؟
خدام: هذا ما اقوله، نعم المعارضة في الخارج منقسمة على بعضها بالاساس بسبب كثرة تياراتها. اما ثورة الداخل فموحدة بأهدافها. القرار للثورة في الداخل وليس لمعارضة الخارج.
"الصنارة": هل هناك قوى في الداخل تعمل على توحيد الموقف مع معارضة الخارج؟
خدام: ما يوحد هو الاتفاق على أهداف، والقبول بأهداف الثورة في الداخل وبالقرارات التي تصدر عن الثورة
."الصنارة": أمس الأول تحدث الرئيس بشار الأسد عن دستور جديد وخرج مع الآلاف الى الشوارع، والمعارضة قسم منها يريد دستور وقسم لا يعرف ماذا يريد، اذن...؟
خدام: مرسوم بشار الأسد وحديثه عن الاستفتاء يذكرنا بالإعلان الذي تحدث عنه سيف الأسلام ابن معمر القذافي عندما طرح مسألة الدمقراطية، في حين أن موقف بشار الأسد هو كموقف معمر القذافي الذي تحدث بمنطق القوة، ولكن كلنا يعرف كيف أُلقي القبض على معمر القذافي وابنه.
"الصنارة": وهل ترى مصير بشار الأسد شبيهاً بمصير القذافي؟
خدام: هي كنهاية معمر القذافي بالضبط.
"الصنارة": متى؟
خدام: هذا الأمر لا يعرفه الا الله.
"الصنارة": الا تعتقد أن ضربة عسكرية لايران من شأنها أن تُسرِّع نهاية الأسد؟
خدام: بالعكس الضربة العسكرية لبشار الأسد هي التي تُسرع انحسار ايران ضمن حدودها الوطنية. لأن سقوط النظام السوري يعني تحرر لبنان وسوريا والعراق وتحرر الخوف من ايران.
"الصنارة": اما ما يتعلق باسرائيل فلا تغيير من قبلكم؟
خدام: المبادرة العربية.
"الصنارة": رئيس الأركان الاسرائيلي جينتس قال هذا الأسبوع إن اسرائيل مستعدة لاستقبال آلاف اللاجئين العلويين عند سقوط الاسد؟
خدام: هذا الأمر يهدف الى إثارة الشقاق الطائفي في سوريا ولا اعتقد أن هناك علوياً واحداً أو علويين ممكن أن يستجيبوا لهذا النداء أو ممكن أن يذهبوا بهذا الاتجاه.
"الصنارة": اما من خطر أن توجه اسرائيل ضربة لسوريا أو أن توجه سوريا ضربة لاسرائيل بهدف الخروج من الأزمة؟
خدام: لا استطيع أن أعرف بماذا يفكر الاسرائيليون، وليست لدي معطيات حول ذلك، لكني أعتقد أن الاسرائيليين مرتاحون للأوضاع في سوريا. لأنهم يريدون ان تضعف سوريا ويزداد ضعفها، وهذا ما هو حاصل اليوم.