منذ انطلاق عمله رسميا في 29 يوليو (تموز) 2011، يخوض «الجيش السوري الحر» عمليات «كر وفر» في مناطق سورية عدة، رغم قدراته العسكرية المحدودة مقارنة بما تمتلكه قوات النظام من أسلحة ثقيلة وآليات عسكرية. وبعد ستة أشهر من المواجهات المباشرة بين الطرفين، يؤكد نائب قائد «الجيش الحر» العقيد مالك الكردي، أن عناصر الجيش الحر، الذين يأخذون من جنوب تركيا مقرا لهم، تمكنوا من السيطرة على الجزء الأكبر من مناطق محافظتي حمص وإدلب، إضافة إلى سيطرة جزئية على مناطق عدة في محافظات وحماه ودير الزور وريف دمشق، بما فيها تلك التي تبعد أمتارا قليلة عن العاصمة.
لكن وفي حين تبقى حدة الصراع في حمص، هي الأقوى بين طرفي النزاع، لا سيما في ظل وجود احتكاك مباشر بين الأحياء المعارضة والموالية للنظام، فإن السيطرة الجزئية للجيش الحر، لا تزال غير ثابتة في أحياء ومناطق محددة، إذ إن هذه السيطرة تبقى خاضعة لـ«حرب العصابات» التي تتحكم في المواجهات بين الطرفين، بحسب العقيد الكردي. مع العلم أن العمليات الدفاعية التي يعتمدها «الجيش الحر» في مواجهاته مع قوات النظام، كان قد بدأ في تنفيذها العشرات من العسكريين والضباط في بداية الثورة السورية قبل أن يتوحدوا تحت لواء «الجيش الحر»، وتحديدا في منطقة درعا ثم بانياس، وصولا إلى منطقة حمص التي تحولت فيما بعد إلى معقل «الجيش السوري الحر» الرئيسي، نظرا إلى الدعم الشعبي الكبير الذي يقدمه أبناء حمص لهذا الجيش والمساعدات اللوجيستية التي يقدمونها له ولعناصره. كذلك الوضع نفسه، انسحب بعد أشهر قليلة على بدء الثورة إلى مناطق عدة استطاع العناصر المنشقون من السيطرة على بعض منها، وأهمها، منطقة جسر الشغور بما فيها المدينة والريف قبل أن يعود هرموش ويسحب قواته العسكرية بناء على قناعته بعدم قدرته على مواجهة قوات النظام.
أما بعد إعلان إنشاء «الجيش السوري الحر» في 29 يوليو 2011، انتقلت المواجهات بين «قوات النظام» و«الجيش الحر» بشكل رئيسي إلى مدينتي حمص والرستن اللتين تشكلان أيضا معقلا مهما بالنسبة إلى الجيش الحر، ومن ثم القصير وجبل الزاوية، حيث تمكن الأخير من السيطرة على أكثر من 30 قرية منها بشكل كامل إضافة إلى مناطق عدة في حمص، وأهمها، بابا عمرو وباب السباع والبياضة وعدد كبير من المناطق السنية. وهنا يلفت الكردي إلى أن إمكانية وسهولة تحرك «الجيش الحر» في المناطق يبقى خاضعا إلى حد كبير إلى قوة الحراك الشعبي والمظاهرات التي تعطي الجيش دفعا للتحرك.
وفي ريف دمشق، ولا سيما منها المعروفة بـ«أطراف دمشق»، التي تشهد في الفترة الأخيرة معارك ضارية بين طرفي المواجهات، استطاع الجيش الحر حتى اليوم مد سيطرته بشكل كبير في رنكوس والقلمون والزبداني. كما يبقى هذا الوجود جزئيا في «الغوطة الشرقية» التي تبعد كيلومترات معدودة عن العاصمة دمشق، ولا سيما دوما وحرستا وسقبا وكفر بطنا وعربين وحورية، رغم أن هذه السيطرة في هذه المناطق تبقى مرتبطة بعمليات «الكر والفر» التي تحصل بين «الجيش الحر» و«جيش النظام» ورصد الحواجز ومن ثم ضربها، وهو أمر وإن لم يكن مستحيلا، لكنه ليس بالأمر السهل بحسب الكردي، وبالتالي فإن وجود كل منهما قد يتسع أو يتقلص بين ليلة وأخرى، بحسب نتيجة المعارك التي تحصل بينهما.
وهنا يلفت الكردي إلى أن النظام يحارب بضراوة في هذه المناطق الواقعة على مشارف العاصمة. وكانت وكالة الصحافة الفرنسية قد نقلت أن مدن حرستا ودوما وسقبا التي تبعد أقل من 15 كلم عن دمشق في حالة حصار مع انتشار الحواجز الأمنية التي يفصل بينها 300 متر والسواتر الترابية وإطلاق النار الذي يسمع من حين لآخر وانتشار المدرعات.
كذلك، ومن جهة أخرى، كان ناشطون قد أفادوا أن ألفي جندي في حافلات وحاملات جند مدرعة إلى جانب 50 دبابة وعربة مصفحة على الأقل انتقلوا فجرا إلى منطقة الغوطة شرقا على أطراف دمشق لتعزيز القوات المحيطة بضواحي سقبا وحمورية. وفي السياق ذاته، قال ناشطون آخرون، إن قوات من الجيش النظامي استعادت السيطرة على مناطق في ضواحي العاصمة كان الجيش الحر قد سيطر عليها لبعض الوقت، خاصة في منطقة الغوطة على المشارف الشرقية لدمشق.
ورغم أنه لا تزال مناطق الساحل السوري ومنطقة حلب تعتبر من المناطق الباردة بالنسبة إلى الثورة السورية، وليست على المستوى المطلوب نظرا إلى القبضة الأمنية المحكمة، ولا سيما في حلب، بحسب الكردي، يؤكد أن للجيش الحر وجودا في بعض مناطقها، وإن كان محدودا، وهو في طريقه إلى التوسع وفقا للتحركات الشعبية التي تكبر دائرتها يوميا. ويضيف «لكننا نفضل عدم الدخول في معارك في كل من اللاذقية وطرطوس، حيث يحاول النظام تحويل الصراع إلى حرب طائفية نفضل عدم الدخول فيها».